بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ).(هود : 117)
والمصلح هنا أبلغ من الصّالح، لأن الصّالح صالح في نفسه والمصلح يتعدى صلاحه إلى الآخرين.
ومفهوم (الإصلاح) واسع يقبل التجزئة فقد يكون الشخص مصلحاً في جزء من التربية و التعليم وقد يكون آخر مصلحاً في الأدب وثالث في السياسة ورابع في التاريخ وخامس في العلوم الشرعية.. وهكذا.
فمن قام بعمل من هذه الأعمال مع ضبطه لأمرين (صحة النية + الأهلية للإصلاح في هذا الأمر) فهو مصلح إن شاء الله إذا التزم بضوابط الدين الشرعية.
والمصلح لا بد أن يجد بعض المصاعب التي تعترض طريقه سواءً بالتشكيك في أهدافه أو سبه وشتمه أو الكذب عليه.. إلى غير ذلك من المصاعب.
وهذا المصلح أو الداعية إلى الخير أو الحريص على أمته.. يحتاج لمعرفة بعض الأسس التي تهون عليه المصاعب السابق ذكرها حتى يشارك في عملية الإصلاح وهو مطمئن البال والضمير غير مبالٍ إلا بالحقائق مترفعاً عن الأكاذيب والأباطيل والمثبطات التي يريده البعض أن يكون منشغلاً بها عن أهدافه النبيلة وأعماله العلمية التي هي أحوج ما تكون إلى وقته وجهده .
ومن هذه الأسس التي يجب على كل مشتوم من المصلحين أن يعرفها ويلم بها:
أولاً: يجب أن يعرف المصلح أن الأنبياء وهم صفوة الله من خلقه لم يسلم أحد منهم من هذه المثبطات سواءً بالتشكيك في أهدافهم أو تكذيبهم أو إلحاق الأذى بهم، بل الكل يعرف أن اثنين من أنبياء الله –وهما يحيى ووالده زكريا عليهما السلام- قد قتلا قتلاً وهذا من أبلغ العبر وأبلغ الأذى.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم قد لقي من الكفار واليهود والمنافقين الأذى الفعلي والقولي فاتهموه بالجنون والسحر والكهانة وسلطوا شعرائهم للطعن في دعوة الإسلام وفي شخص النبي صلى الله عليه وسلّم مع الوصول للتشبيب بزوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن كما كان يفعل كعب بن الأشرف اليهودي وغيره من شعراء اليهود والكفار.
ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يتأذى أشد الأذى من هذا كله لكنه صبر على الأذى وتحمل فإذا ذكر المصلح هذا الأذى الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلّم هان عليه الأذى الذي يلقاه من الناس لأنه لا مقارنة بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين غيره من المصلحين.
ثانياً: لم يسلم الصحابة الكبار ومنهم الخلفاء الراشدون لم يسلموا من الأذى والطعن والاتهامات البذيئة فكانت طوائف تطعن في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتتهم عمر خاصة بتهم دنيئة لا تزيده إلا شرفاً وأجراً عند الله ولا تزيدهم إلا جهلاً وظلماً ، كما لم يسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طوائف أخرى أبغضته وسبته على المنابر فما زاده الله بفعلهم إلا شرفا وذكرا حسنا وما زادهم فعلهم إلا ذما وجهلا .
فالمصلح إذا عرف أن هؤلاء الذين هم في الذروة من الصلاح والعلم والجهاد لم يسلموا من الأذى من شتم وطعن ولعن وقذف... فمن باب أولى ألا يسلم من دونهم من المصلحين فمن يكون الناس بعدهم ؟
ثالثاً: يقال للمصلح، لم يَسْلم كبار المصلحين - على مر التاريخ - من أذية بالقول أو الفعل فلم يسلم أبو حنيفة (اُتُهم بالزندقة والكفر ظلماً) ولا الطبري ولا ابن حبان (اتهم بالزندقة ظلماً) ولا البخاري ولا مسلم ولا أحمد بن حنبل ولا مالك ولا غيرهم من العلماء المتقدمين والمتأخرين وجاءهم الظلم من أناس يزعمون أن ظلمهم لهؤلاء مأمور به شرعاً!!
فالأمر –أخي المصلح- ليس غريباً بل هذه هي القاعدة وهي الأصل فإذا وجدت من يسيء فيك القول مع صحة نيتك ومنهجك فاعلم أنك في الطريق الصحيح.