ومزاعمه هذه لا تقوم على دلائل وبراهين دامغة ، يعتد بها على الصعيد السياسي والقانوني ، فما هي إلا إدعاءات لا ترقى إلى مرتبة الحقيقة المجردة ، ذلك أن قرار الاستقلال جاء بإجماع أغلبية الأعضاء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، بإشراف من جامعة الدول العربية ، والهيئات السياسة الوطنية الليبية ، ومنظمات دولية ، لذا رأيت أن أتصدى لدحض هذه المزاعم، بذكر وقائع وحيثيات صدور قرار الاستقلال، لبيان شرعيته على النحو الأتي:
صدر قرار استقلال ليبيا من الجمعية العمومية بأغلبية أعضائها، تحت رقم ( 11) يوم 21-11-1949م. يقضي باستقلالها بكامل أجزائها ، وفي أجل أقصاه يناير عام 1952 م ، فقد عرضت قضية ليبيا في الجمعية العمومية، في إطار النظر في المستعمرات الإيطالية السابقة ، وذلك بعد انعقاد مؤتمر الصلح ، الذي قضى بتنازل الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية ، ومنها إيطاليا عن ممتلكاتها السابقة في أفريقيا وشرق البحر المتوسط وليبيا هي إحدى تلك المستعمرات ، ونظرا لعدم اتفاق دول الحلفاء حولها ، أدى ذلك إلى عرض القضية على الجمعية العمومية .
فقد كانت القضية برمتها أحدى تداعيات الحرب العالمية الثانية ، والتي انتهت بهزيمة دول المحور وانتصار دول الحلفاء ، وقد ازدادت حدة المطالبة باستقلال ليبيا من الأحزاب والمنظمات السياسية الليبية ،ومن جامعة الدول العربية ، ومن المجتمع الدولي .
واجتمعت المنظمات السياسية في ليبيا في هيئة سياسية واحدة هي ( المؤتمر الوطني العام ) ضم حزب الجبهة الوطنية والحزب الوطني وحزب الكتلة الوطنية والنقابات العمالية ، وتألف اثر ذلك وفد برئاسة بشير السعداوي ، ومصطفى ميزران ، ومنصور بن قداره ، لعرض القضية على الجمعية العمومية وتقديم مطالب الشعب ، وشاء القدر أن تكسب ليبيا القضية ، وتحصل على قرار الاستقلال الذي نص ميثاقه على الأتي :
1-أن تكون ليبيا المشتملة على أقاليم برقة ، طرابلس ،فزان دولة واحدة ذات سيادة .
2-يصبح هذا الاستقلال نافذا وبأسرع ما يمكن دون أن يتجاوز يوم 1 يناير 1952 م .
3-يقرر دستور ليبيا – بما فيه شكل الحكم – ممثلون عن أقاليم برقه ، وطرابلس ، وفزان في جمعية وطنية .
4-تعين الجمعية العمومية مندوبا عنها في ليبيا ومجلسا لإسداء المعونة والمشورة إليها ومساعدتها على وضع دستور، وإنشاء حكومة مستقلة.
5-يؤلف المجلس الاستشاري مندوب من كل ٍ من مصر ، باكستان ، فرانسا ، انكلترا ، اميركا ، ايطاليا ، وممثل كل إقليم ، وممثل عن الأقليات في ليبيا .
6-يرفع مندوب الأمم المتحدة بتشاور مع المجلس تقريرا سنويا للأمين العام للجمعية العمومية .
بعد ذلك صدر قرار آخر من الجمعية العمومية بتاريخ 17 نوفمبر 1950.م يؤيد ويدعو إلى تنفيذ القرار الأول ينص على الآتي :
1-أن تجتمع جمعية وطنية ليبية تمثل سكان ليبيا تمثيلا صحيحا في اقرب وقت ممكن ، وعلى كل حال في مدة لا تتجاوز أول يناير 1951م .
2-أن تؤلف هذه الجمعية حكومة ليبية مؤقتة في أقرب وقت ممكن على أن تضع نصب عينيها أول ابريل عام 1951 م حدا أقصى لذلك.
3-أن تنقل الدولتان القائمتان بأعمال الإدارة في ليبيا السلطات تدريجيا إلى الحكومة الليبية المؤقتة، طريقة تضمن انجاز نقل جميع السلطات من أيدي الإدارتين الحاليتين إلى حكومة ليبية شرعية قبل أول يناير 1952م.
4-أن يقوم مندوب الأمم المتحدة حالا مستعينا ومسترشدا بمشورة الأمم المتحدة ، بإعداد برنامج بالتعاون مع الدولتين القائمتين بأعمال الإدارة في ليبيا ، لنقل السلطة إلى الحكومة الليبية المؤقتة طبقا لما ذكر في الفقرة (2).
إثر ذلك قام المجلس الاستشاري برئاسة أدريان بلت بتشكيل هيئة تحضيرية تتألف من 21 عضو بنسبة 7 أعضاء من كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة وكلفت هذه الهيئة بتحضير خطة تجتمع بموجبها الجمعية الوطنية المنصوص عليها في الفقرة (3) من قرار الجمعية العمومية في 21 نوفمبر 1949 م لوضع دستور ليبيا وتقرير نوع الحكومة .
عقدت الهيئة أول اجتماعاتها في يوم 27 -7-1950م بحضور مندوب الأمم المتحدة والمجلس الاستشاري ، وانتخب المفتي محمد أبو الإسعاد العالم رئيسا لها ، وفي يوم 22-10-1950م اتخذت اللجنة القرار الآتي بالإجماع :
1-تؤلف الجمعية الوطنية من ستين عضو.
2-يكون ممثلو المناطق الثلاثة على قدم المساواة 20 ممثلا عن كل إقليم.
3-يكون التمثيل في الجمعية الوطنية بطريق الاختيار ،مع مراعاة المساواة في التمثيل ما بين جميع الأحزاب العربية الوطنية في مختلف المناطق ، كما وأيضا لجميع الأفراد المستقلين ، والزعماء البارزين وعلى الأخص فيما يختص بطرابلس .
4-يتولى صاحب السمو الأمير محمد إدريس المهدي السنوسي أمر اختيار ممثلي برقة ، ويتولى أحمد سيف النصر أمر اختيار ممثلي فزان ، وبناء على الاقتراح الذي قدمه بالإجماع ممثلو طرابلس يتولى الشيخ محمد ابو الإسعاد العالم رئيس اللجنة اختيار ممثلين طرابلس ، بعد ان يقوم بالاستشارات اللازمة والمحادثات، ويضع كشفا بأسماء المرشحين باللجنة التحضيرية قبل يوم 26 أكتوبر 1950م وترسل نسخ من هذا القرار إلى كل من الأمير محمد السنوسي وأحمد سيف النصر.
بعد ذلك تشكلت الجمعية الوطنية في طرابلس يوم 25-نوفمبر-1950م وقررت في جلستها المنعقدة يوم 2-ديسمبر-1951م تأسيس دولة اتحادية ليبية تضم الأقاليم الثلاثة ،ونادت بالسيد محمد إدريس السنوسي أمير برقة ومبايعته ملكا دستوريا للمملكة الليبية المتحدة ، تأكيدا على بيعة المؤتمر الوطني العام في مسجد المجابرة بمنطقة القصبات ، وقررت أيضا قيام حكومة وطنية مؤقتة في كل الأقاليم ، لتسلم السلطات من الإدارتين القائمتين ،وقد تألفت هذه الحكومة اعتبارا من يوم 29-مارس-1951م.
وهكذا تم وضع الدستور من قبل الجمعية الوطنية الليبية ،بإشراف مندوب الأمم المتحدة والمجلس الاستشاري وبالاستعانة بالمستشار القانوني الانجليزي هاري ترستد ، والمستشار القانوني الفلسطيني عوني الدجاني ، وتم بفضل الله استقلال ليبيا ، وقيام المملكة الليبية المتحدة يوم 24-ديسمبر-1951م .
مما تقدم ذكره نخلص إلى أن استقلال ليبيا ، وقيام مملكتها المتحدة ، هو أمر لاشائبة تشوبه ، وأنه يقوم على الشرعية السياسية والأخلاقية ، والسبب في كون نشوء الدولة في صورة مركبة ، أي انها دولة اتحادية فيدرالية ، هو أن البلاد بحكم الواقع السياسي مقسمة إلى ثلاث ولايات ، تحت إدارتين مختلفتين لدولتين أجنبيتين ، فكان لابد من إقامة الاتحاد الفيدرالي لنشوء الدولة المستقلة ، وهي خطوة أولية على طريق تكوين الدولة البسيطة ، وقد تم استبدال نظام الولايات بنظام المحقظات العشر عام 63 م.
وبناء على ما تقدم تم بإذن الله دحض مزاعم القذافي ، وتفنيد ادعاءاته بزيف الاستقلال، وأن جل ما أراده بمزاعمه ، هو اختلاق الذرائع والمبررات لإسباغ الشرعية على انقلابه العسكري الذي قام به عام 1969م على الدولة والحكومة الشرعية .
هذا الفيديو لاحدى الاخوات الليبيات الشريفات في الذكرى الـ58 للاستقلال اي في سنة 2009
تاريخ ليبيا منذ الحرب العالمية الثانية