أظهرت التجارب المبكرة التي أجريت في مجال دراسة فسيولوجية النبات أن بذور حبوب القمح العادية لها القدرة على مقاومة التعرض لدرجات حرارة مرتفعة قد تصل إلى 100مo مع وجود مستويات منخفضة من الرطوبة النسبية ، كما أن معدل الأيض للبذور كان منخفضا جدا لدرجة اعتباره غير موجود على الإطلاق ،
و لذلك ليس من المفاجأة أبدا أن نجد العديد من النباتات الصحراوية تتخذ لها نظاما للحياة ليوم واحد فقط حيث تعيش هذه البذور فترات حياتها في صورة جنينية محددة في ظل الظروف القاسية من درجة حرارة عالية إلى نسبة رطوبة منخفضة و ظروف التجفيف . و عند تحسن الظروف بهطول الأمطار فإن البذور سرعان ما تنمو بسرعة و بكل كفاءة كما يزداد معدل التمثيل الضوئي حتى يصل النبات إلى مرحلة النضج و الإثمار . و تعتبر الغالبية العظمى من هذه النباتات القصيرة الأجل نباتات حولية حيث أن تلك الظاهرة تستلزم الاحتفاظ بقدر أكبر من الأنسجة الكامنة في صورة بصيلات أو جذور أو درنات خلال فترات الجفاف الطويلة . و لذلك تعد هذه النباتات الحولية القصيرة الأجل ذات جهد أو قدرة على الحياة في الصحراء الجرداء و نظرا لأن هذه النباتات تكمل دورة حياتها تحت أفضل الظروف ، لذلك فمن النادر أن تظهر أي تحورات ملائمة مورفولوجية مع المناخ الصحراوي ، بالإضافة إلى أن هذه النباتات ذات خصائص جمالية عالية و يكفي أن تنظر إلى الكساء الخضري للصحراء عند توفر الظروف الملائمة ، مثل سقوط الأمطار و الجو المعتدل لترى مدى التنوع و الجمال الذي يأخذ بالألباب عند تفتح أزهار هذه النباتات الحولية و لعل أوضح مثال ما نراه في ناماكوالاند بجنوب إفريقيا من الأزهار الرائعة في الصحراءالقاحلة .
الهجرة الموسمية :
لعل أوضح وسائل الهروب من جحيم الصحراء هو الهجرة ، إلا أن الهجرة بشكل عام تتلاءم و تتوافق مع تلك الحيوانات التي لا يكون موقعها شديد التكلفة ، و يتم ذلك بالنسبة للثدييات بالإضافة إلى الحيوانات القادرة على الطيران ، و على سبيل المثال ، نجد هجرات واسعة لطائر القطا عندما تصبح درجة حرارة السطح غير ملاءمة على الإطلاق لأعشاش تلك الطيور في فترات الشتاء القارسة و يصبح المكان غير ملاءم للتكاثر ، و يوجد أمثلة أخرى في عالم الطيور التي تطير لمسافات شاسعة بحثا عن مصادر أفضل للغذاء والبحيرات المؤقتة ثم تتحرك لمناطق أخرى عندما تبدأ النباتات ذات فترة الحياة القصيرة في الاختفاء . كما تلجأ الغزلان للهجرة لمناطق أفضل في ظروفها في قطعان كبيرة ، و إن كان بعض العلماء لا يعتبرون تحركاتها الواسعة هجرة ، كما تلجأ الظباء الإفريقية إلى حفر الرمال في موضع الأنهار الجافة بحثا عن أي حفر للحياة و لكنها تتنافس بشدة على الغذاء مع الأجناس الأخرى العديدة بما فيها قرود البابون .
العزلة :
نقصد بكلمة العزلة الهروب القصير المدى كسلوك في الحيوانات الصحراوية ، و تتخذ عادة شكل نمطي أو معتاد ، و قد تحدث مع وجود فترة وداعة و كسل أو بدون هذه الفترة و الأمثلة عديدة في هذا الشأن لكن سوف نذكر هنا كمثال خنافس الدقيق الصحراوية حيث تستجيب تجاه ارتفاع درجة حرارة سطح التربة باللجوء إلى نوعين من إيقاع الأنشطة الثنائية التي تسمح لها بالهروب من الحرارة الشديدة في ساعات منتصف النهار و عندما يبرد السطح الرملي نتيجة هبوب الرياح الباردة بشكل يكفي لخروج الخنافس من أسفل الرمال إلى السطح العلوي و من الطريف أن هذا النشاط الليلي لهذه الخنافس يتم التحكم فيه من خلال إيقاع داخلي يستمر لعدة أيام في ظل الظروف المستقرة و الثابتة من درجة حرارة الجو و الضوء الثابت ،
و يلاحظ أن هذا الإيقاع الداخلي لا يستجيب فقط لحركات الرياح و درجة حرارتها بل لحركتها الاجتماعية كذلك ، فعند ازدياد حجم السكان في تلك المجتمعات السكانية الاجتماعية يلاحظ أنه كلما ازداد عدد الأفراد ، كلما ازدادت حدة الإيقاع المتزامن ، و تعرف هذه الظاهرة باسم التسهيلات الاجتماعية ، و يمكن الإشارة على مثال متعارض آخر من الناحية السلوكية و هي السحالي فهناك نوع من السحالي النهارية Aporosaura Anchietae تحب أن تدفن نفسها في الرمال ، و تعيش في الرمال التي تهب عليها رياح لينة ، و بالطبع فتحت ظروف فصل الصيف العادية تستقبل قدرا مركزا من الإشعاع الشمسي المركز في فترات ما بعد الظهر ، و كنتيجة لذلك ترتفع درجة حرارة الرمال بسرعة ، و تبقى السحالي لفترة معينة تستطيع فيها احتمال الرمال الساخنة التي تصل درجة حرارتها إلى 40مo و لفترات قصيرة ، و معنى ذلك أنه يوجد أمامها فترة قصيرة لتمارس علاقاتها و أنشطتها الاجتماعية قبل أن تصبح درجة الحرارة عالية بشكل مجاوز للحد الذي تحتمله هذه السحالي ، و حتى يمكنها البقاء لفترة أطول فإنها تلجأ إلى ممارسة ما يسمى الرقص المنظم للحرارة حيث تهب الحرارة الآتية من سطح الرمال ( ما بين 30 - 40مo ) على السطح البطني من جسمها إلى الطبقة السفلية الدافئة .
و عند هذا الوضع فإن وضع الجسم كله يتقوس بشكل محدب مما يجعل الأطراف الأربعة و الذيل مرفوعة في الهواء بينما ترتفع درجة حرارة الجسم بسرعة إلى المستوى الذي يمكن احتماله و بعد ذلك يمكن للحيوان أن يتحرك بليونة عبر سطح الرمل باحثا عن الطعام و مشاركا في كل الأنشطة الاجتماعية السلوكية . و كلما ارتفعت درجة حرارة الرمال فإن شكل جسم السحلية يتغير إلى ما يشبه مشية طائر أبو مغازل و هو طائر معروف طويل الأرجل مع احتفاظه بالجسم بعيدا قدر الإمكان عن الرمل الساخن ، و يقوم الحيوان بتغيير هذه الأشكال ( على فترات دورية ، كما يلجأ للاستناد على ذيله مع رفع الأطراف الأمامية للهواء لتبردها ، أما عند وصول درجة الحرارة إلى ما بين 40 - 45مo فإن الحيوان يهرب و يختبئ في أقرب مكان بارد تحت الرمال . أسفل الرمال و يلاحظ أن الأغشية الموجودة على الأطراف الأمامية تساعده في عملية الحفر .
و إذا ما تحدثنا عن الطيور ، فسنجد أن طيور الصحراء ذات نمط عالي الكفاءة في أماكن إقامتها ولها القدرة على العزلة بسهولة عن الظروف الصعبة بالبيئةالصحراوية . و الحقيقة أنه يوجد العديد من الأمثلة من أجناس الطيور التي تأوي إلى الأعشاش ، أو معلقة إلى الصخور ، أو الشجيرات الكثيفة ، بغرض تجنب الحرارة الشديدة خلال ساعات النهار ، و من الأمثلة الفريدة في هذا المقام هو ما نشاهده من سلوك طائر اجتماعي يعرف باسم النساج الاجتماعي ( Philetairus Socius ) الذي يغزو المناطق القاحلة و الشبه مجدبة و خصوصا الصحراء الإفريقية في ناميبيا و صحراء كالهاري حيث يقوم ببناء عش شديد الضخامة على فروع شجرة السنط ( Acacia ) . و معنى ذلك أن وجوده محدود بوجود تلك الشجرة ، إلا أنه قد يلجأ أحيانا عند عدم وجودها إلى بناء عشه الضخم على الأقطاب التلفزيونية حيث يقوم هذا العش بحمايته من أشعة الشمس نهارا و البرودة ليلا . كما أن العش يوفر لطائر النساج الاجتماعي عزلة مناسبة عن البيئة الحارة ، و لكنها لا تعيش في عالم كامل فكثيرا ما يتعرض العش الضخم لهجوم ثعابين الكوبرا التي تنقض بعنف على هذه الطيور .
على الرغم من معيشة أعداد هائلة من الحيوانات الصغيرة في البيئة الصحراوية من خلال تجنبها للظروف الجوية ، و البيئة الحادة ، إلا أن البعض منها يظهر العديد من التحورات و التكيفات الهامة التي تسمح له بتحمل الظروف القاسية . و تظهر أهمية هذه التحورات و التكيفات ذات الأهمية الكبيرة فيالنباتات و الحيوانات الكبيرة التي لا تكون قادرة على الهرب من المناخ الصحراوي القاسي ، و يتضمن هذا التحمل مجموعة من التكيفات المورفولوجية ( الشكل الخارجي الظاهري ) و الفسيولوجية إلا أن هذه الخصائص شديدة الاعتماد على بعضها البعض ، و غير واقعي من وجهة النظر البيولوجية أن تفرق بينهم و العجيب أن التكيفات مع البيئة تكاد تكون متماثلة بشكل مدهش بين النباتات و الحيوانات و سوف نشير لبعض الأمثلة في إيجاز بسيط .